ناشطة سودانية: التجربة الكردية ملهمة لمواصلة النضال ضد السلطة الإمبريالية

أشادت الناشطة النسوية شادية عبد المنعم بتجربة الكرديات والسودانيات على حد سواء في النضال من أجل الحرية والحقوق في وجه نظام عالمي إمبريالي يصنع الصراعات ليقوم بالتطهير العرقي ويمارس سياسة التهجير لتنفيذ مخططه الاستعماري.

زهور المشرقي

تونس ـ لا يمكن أن ينجح النضال النسوي دون تكاثف الجهود والاستفادة من الخبرات والتجارب وإن كانت مأساوية لتكون باباً تبدأ عنده المقاومة ضد الرأسمالية والنسوية الامبريالية المتاجرة بأوجاع النساء.

اعتبرت الناشطة النسوية والحقوقية شادية عبد المنعم، أن عنف الدولة والعنف المؤسسي ضد النساء والفتيات في السودان استمر أكثر من ثلاثين عاماً مدة حكم عمر البشير الإخواني ولازال متواصلاً في شكل قوانين ورخصة مُنحت للذكور لممارسة العنف من البيت إلى الشارع إلى أماكن العمل، لافتة إلى أن العنف له منهج حيث مورست شتى أشكال التنكيل بهن.

وذكرت بمنهجية حكم البشير التي استندت إلى الاغتصاب كأحد أدوات كسر النساء وهناك وظيفة "المغتصب" في جهاز الأمن السوداني يتقاضى عليها راتب شهري ضد الجنسين وخاصة النساء، موضحة أن "الخلفية الإسلامية لحكم البشير والخلفية الانتمائية والسلطوية وعقلية الوصاية على النساء والولاية أعطت ذلك النظام الحق في التفنن بتعنيف واضطهاد السودانيات".

 

العنف ضد السودانيات لم تعش مثله في التاريخ الحديث إلا الإيزيديات

وأبرزت أن قانون الأسرة السوداني تطرق في فقرة كاملة لمبدأ الولاية بحيث تفرض على كل النساء الخضوع لسلطة ولي الأمر بالقانون، مشيرةً إلى أن العنف الذي عاشته السودانيات لم تعشه في التاريخ الحديث إلا الإيزيديات على أيدي داعش حيث تتشاركن في عمليات بيعهن وسبيهن والاحتجاز القسري بغرض الاستعباد وخصوصاً الجنسي.

وأكدت أن العنف الجنسي كان أداة الدعم السريع للانتقام، ولن يكن سهلاً ما عاشته السودانيات من قتل وتجويع ولجوء ونزوح وتهجير قسري أمام صمت إقليمي ودولي لإيقاف هذا الإجرام الذي تندد به القوانين الدولية وتعاقب عليه، مذكرة بما عاشته الحوامل أيضاً من ولادات عسيرة ومعاناة بسبب انعدام الأدوية والمتابعة الطبيعة والعناية.

وأوضحت صدمتها من الصمت الدولي الذي قتل السودانيات مرتين أمام تجاهل معلن ومخزي "هذا بين لنا أنها حرب مصنوعة لتدمير السودان ولكسر النساء لاعتبارهن كن أداة الحرب الأشد لدى التنظيمات المسلحة والمليشيات"، مبينة أن ما عاشته النساء من عنف جعلهن أقوى وأشجع ولن تتمكن أي قوة من كسرهن بعد ذلك.

 

تغيير ديمغرافي شبيه بما حدث في عفرين

وعن محاولات إحداث التغيير الديمغرافي في السودان كما حدث في عفرين وتل أبيض، ورأس العين في إقليم شمال وشرق سوريا وما تسببه من مآسي إنسانية كانت النساء الأكثر تأثراً بها، أوضحت شادية عبد المنعم أن السودان ليس معزولاً عن العالم ويتعايش ضمن نظام سياسي عالمي أبوي، ذلك النظام نفسه الذي نكل بالنساء في غزة وقمع الإيزيديات ونساء عفرين ما أدى إلى تأسس القوى الكردية (وحدات حماية المرأة)، التي حررت الرقة والنساء من داعش ومن السلطة الذكورية السياسية، وهي وحدات تساهم بشكل واضح في كسر الإمبريالية.

وحذرت شادية عبد المنعم من النسوية الإمبريالية وخطورتها على مستقبل النساء "هنا في برلين نحاول تنظيم صفوفنا عبر تنظيم نسوي به كرديات وعربيات، بتحالف كبير وبدأنا نتحدث عن النسوية الإمبريالية ونهاجم السياسات التي تستهدف النساء في مناطق الصراع المختلفة وحتى المناطق التي لا توجد بها صراعات مباشرة، ونعتقد أن ما يحدث في إقليم شمال وشرق سوريا من محاولات تمييع للقضية الكردية والقضية في الكونغو والقضية الفلسطينية هو من إتيكات النظام السياسي البطرياكي العالمي والإمبريالية، مثلاً تتحدث وزيرة الخارجية الألمانية عن سياسة خارجية نسوية ما يثير التساؤل والاستهجان كون ذات الوزيرة تعمل ضمن دائرة سياسية تصدر الأسلحة بشكل مكشوف إلى الدول التي تشهد صراعات كـ أوكرانيا برغم علمها أن تلك الذخائر والأسلحة تستهدف النساء سواءً في روسيا أو أوكرانيا أو غزة".

وقالت إن النسوية الإمبريالية ترى أن النسوية سياستها تتمحور في الحديث عن الجندر والمساواة وغيرها،  متناسية أن النسوية الحقيقة هي تلك التي تدرك معاناة النساء في زمن السلم والنزاع، وربطت ذلك بالتغيير الديمغرافي الذي يحدث للقومية الكردية بشكل عام والذي تقاسيه النساء في دارفور وفي أجزاء كثيرة من أفريقيا  وغزة اليوم عبر الدعوة لترحيل الأهالي من مدينتهن وترنو كلها إلى الضغط للقبول بسياسات النظام العالمي البطرياكي.

وتساءلت عن الثروات التي توجد في إقليم شمال وشرق سوريا وباتت أطماعاً حقيقية للإمبريالية التي تتعمد قتل الإنسان في تلك المنطقة لتحقيق أهدافها بعنف وبالتطهير العرقي والإبادة والاغتصاب.

 

دستور بدم النساء لن نعترف به

وعن الدستور الذي أعلنت عنه الجهات المتحاربة في السودان منذ أيام، والذي يبدو أنه لا مكان للنساء فيه، قالت "النساء لن تحارب فعلاً للمشاركة في كتابة الدستور بعد حرب أُقيمت على أجسادهن،  وهن لن يشاركن في وثيقة يكتبها أمراء الحرب الذين يتقاسمون الكعكة حسب مصالحهم،  فبين الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية ومصر يتأرجح واقع السودان".

وقالت إن أمريكا لم تعد مهتمة بدعم قوات الدعم السريع وأن أوروبا يهمها وجود هذه القوات وأن تكون مسلحة ولا يهم القارة العجوز إن كانت ضد النساء "يهم تلك الأطراف فقط ملف الهجرة وأن يستمر التواصل مع هذه المليشيات لمنع الهجرة غير النظامية، وهو سيناريو تدعمه بشكل مباشر الإمارات، وأما سيناريو أمريكا فتدعمه مصر والسعودية، أين النساء من هذا؟".

وعبرت شادية عبد المنعم عن المخاوف من الدستور الذي سيشرعن قوات الدعم السر يع التي اغتصبت النساء وخطفتهن ونكلت بهن "يحاولون إيجاد شرعية للمليشيات الإجرامية، منذ أكثر من ثلاثة عقود والسودانيات هن هدفاً مباشراً للأنظمة والقمع المؤسسي".

واعتقدت أن تجاهل استدعاء المنظمات النسوية والحقوقية والمجتمع المدني في اجتماع التحضير لكتابة دستور جديد "موقف يحترم" لاعتبار أن هذه الجهات لن تقبل المشاركة في جريمة كان ثمنها دماء الأبرياء والنساء والأطفال في معركة الصراع عن السلطة "أطراف تهمش النساء لا نعترف بها، اسقطوا قناعهم ووصلتنا الرسالة وهذا الدستور الذي يكتب بقهرهن لن يكتب له النجاح ولن يكون له وجود في الحياة السياسية".

وعن غياب الإشادة المحلية بالسودانيات، اللواتي كن عام 2018 في الصف الأول للثورة المنادية بالحرية وعن إقصائهن من المشهد بشكل عام، قالت إن "الإعلام المحلي والعالمية هو آلة مدفوعة وممولة لتوجيه الرأي العام،  وتاريخ السودانيات كان مبهجاً ومنذ فجر التاريخ كن قياديات وتبوأن العمل السياسي الإفريقي والإقليمي والاتحاد النسائي السوداني كان من أول وأعرق التنظيمات النسوية في القارة السمراء أو المنطقة وكان أول منظمة تتوجه بالكامل للحصول على الحقوق السياسية للنساء في خمسينيات القرن السابق ونجح في وضع العديد من المكتسبات وكانت هناك امرأتين قيادتين ضمن الحزب الشيوعي النسائي وهو إنجاز في تلك الفترة، وحزب الأمة أيضاً كان به نساءً، وقدن وقتها مظاهرات عنونت بـ "لن نعود إلى حوش الحريم"، وكان سابقة في مسار النضال النسوي والمقاومة الحقيقية، وبالتالي النضالات تسبق كل شيء ولا نهتم لهذا التشويه الإعلامي وتغييبهن عمداً وعدم الإشادة بهن وراءه أهدافاً".

وأشارت إلى أن مشاركة النساء في الثورة كانت بارزة وعلى خلفيات توجهاتهن ونجحن برغم قمع البشير ومن بعده في التمركز والنضال دون خوف وبشجاعة لا يراها الإعلام الإمبريالي "كانت نضالات شجاعة ضد الديكتاتورية الإسلامية، وقمع السلطات المتعاقبة برغم قوة العنف".

وأشادت بالتنظيم النسوي في الثورة والوعي المبهر لهن ولم تكن مشاركتهن في الثورة عفوية وغضب فوري بل تراكم ونضال مستمر، وقد رفض النادي السياسي هذا الوجود لهن وحاول النظر لهن بدونية، محذرة من استغلال حمدوك للنساء بوضعهن في حكومته الانتقالية من دائرته المقربة كـ "ديكور" ومواصفات معينة حتى لا يكون لهن آراء ومواقف فاعلة ورافضة لسياساته.

ودعت شادية عبد المنعم السودانيات إلى العمل على تجاوز الوضع ومقاومة هذه العقلية "ما حدث لهن كان ملعوباً ومدروساً إقليمياً وغربياً ودولياً، ونحن بصدد مراجعة أجسامنا النسوية وتحريرهن من سطوة التمويل العالمي الذي يُمول ليتحكم ويقرر، ونحاول العودة إلى جذور إرث نضال النساء، كنا نعمل في بدايات المقاومة دون قبول تمويلات أجنبية وعن طريق الحملات الخيرية، وحان الوقت للعودة لنتحرر بشكل فعلي وحقيقي، فالتحرر من التمويل الخارجي أول عتبات التحرر".

 

تجربة الكرديات والإدارة الذاتية ملهمة وعلينا الاستفادة منها

وعن كيفية مراجعة الأجسام النسوية بما يتلاءم وواقع السودانيات اليوم، قالت "نحن في تحالف بنيان، قمنا بحلقات نقاش لطرح الأفكار المتنوعة حول الحركة النسوية وقمن بإطلاق "إعلان فبراير" الذي يتحدث عن بناء حركة نسوية سودانية ثورية تضع في المقدمة أجندة النساء وتتصل بالحركات النسوية، تحاول مراجعة تأثير الامبريالية والحد من التمويل الخارجي لتحرير أنفسنا".

وأكدت شادية عبد المنعم أن المقاومة تكون بالتشبيك النسوي في أفريقيا والشرق الأوسط لاعتبار توحد القضايا تقريباً، لافتة إلى أن التغيرات في المنطقة وشراسة الأنظمة الامبريالية دفعت التنظيمات النسوية إلى التطور والتوحد.

وأضافت "هناك تجارب مهمة في المنطقة يمكن أن نحتذي بها، مثلاً هل خطر ببالنا يوماً أن تتكون كتيبة نسائية تقاتل بكل أنواع الأسلحة في إقليم شمال وشرق سوريا، تلك التجربة الكردية المختلفة والفريدة هي جديرة بالدراسة والاستيعاب والفهم للاستفادة منها، علاوة على تجربة الإدارة الذاتية المهمة التي من المهم تناولها وأيضاً جنولوجي (علم المرأة)، كلها تجارب تستحق الغوص والاستفادة برغم بعض الاختلافات".

وعن الاحتفاء باليوم العالمي للنساء في ظل واقع سوداوي، أوضحت شادية عبد المنعم أن دول الجنوب عانت قروناً من الاضطهاد ولم يتغير وضع المرأة بل زاد مأساوية، داعية النساء الإفريقيات والشرق الأوسطيات ومختلف نساء العالم إلى الاتحاد والنضال من أجل تعليم الفتيات لأن ذلك حماية لهن من الجهل والاستغلال والتهميش، مطالبة بالاتحاد من أجل التغيير الحقيقي "النساء ثورة وعلى الأنظمة الرأسمالية تركهن تعشن بسلام وأمان".

وفي ختام حديثها طالبت شادية عبد المنعم السياسيات بإيلاء قضايا المرأة الأهمية القصوى في الأجندات "قضايا النساء ليست مفصولة عن التقسيم الإمبريالي القمعي الجديد للعالم، وهي ليست معزولة عن مساعي الاستحواذ على ثروات الشعوب، نحن الأرض والحياة والحرية".